اعداد: د. نادين الكحيل
(أستاذ مشارك دكتور في العلوم السياسية، كاتبة وباحثة سياسية)
يعاني لبنان من فراغ رئاسي منذ ما يقارب السنتين، بسبب عدم توافق القوى السياسية الداخلية على مرشح واحد، يترافق ذلك مع شلل حكومي وإنهيار إقتصادي وتدهور في المستوى المعيشي الإجتماعي، مما يدفع البلد إلى مزيد من التأزم، خاصة عبرالحرب المفتوحة مع إسرائيل على الجبهة اللبنانية الجنوبية.
وفي ظل الجولات المكوكية للوفود والمبعوثين الدوليين إلى لبنان الداعية لضبط النفس وعدم الإنجرار إلى حرب شاملة، لا تزال إسرائيل تقوم بالإستفزاز لتوسيع رقعة الحرب، من خلال قصف المدنيين في الجنوب اللبناني، وعمليات الإغتيال الدقيقة لقيادات من حزب الله في مختلف المناطق اللبنانية، وآخرها استهداف القيادي العسكري فؤاد شكر اليد اليمنى للأمين العام حسن نصر الله في قلب الضاحية الجنوبية، الذي ترافق مع اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية في طهران، مما رفع مستويات التوتر الى اقصى حد، وادى الى استنفار جميع الجهات الاقليمية والدولية التي سارعت الى الغاء رحلاتها الجوية الى بيروت وتل ابيب في الوقت نفسه، تخوفاً من الرد المنتظر على اسرائيل من قبل محور المقاومة.
مما يفتح الباب أمام عدة إحتمالات من ضمنها أن يكون الرد الايراني على اسرائيل عبر فصائلها في العراق أو اليمن أو سوريا ، وقد يكون لبنان إحدى الجبهات للرد على الضربة الإسرائيلية، لأن الارتباط العضوي بين لبنان وفلسطين حتمي ووجودي بالإضافة الى الامتداد الجيوسياسي.
ومن جهة أخرى، تفرض قضية ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل، ورقة ضغط إضافية فنحن أمام عدة سيناريوهات:
السيناريو الأول: حرب محدودة تتم عبر إجتياح بري للجنوب اللبناني أو توسيع تكتيكي لرقعة الحرب في الجنوب، لضمان مساحة آمنة لعودة سكان الشمال الإسرائيلي.
السيناريو الثاني: إستمرار التصعيد وتوسيع عمليات الاغتيال الحساسة والدقيقة لقيادات ومسؤولين تمثل الأذرع الإيرانية في كل من لبنان والعراق واليمن وسوريا أو حتى في تركيا وقطر، وتنفيذ هجمات سيبرانية لتعطيل المرافق الحيوية.
السيناريو الثالث: حل دبلوماسي عبر مفاوضات لوقف الحرب والقيام بصفقة لتبادل الأسرى والاعتراف بالدولة الفلسطينية، يترافق ذلك مع تسوية لترسيم الحدود البرية مع لبنان.
إن لبنان أمام مرحلة مفصلية، قد ترسم خريطة للإستقرار السياسي عبر إنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، أو إلى مزيد من الاضطرابات الداخلية عبر الإنجرار إلى حرب شاملة مدمرة.
وبالرغم من جميع التحذيرات الصادرة عن سفارات وقنصليات الدول بتجنب السفر إلى لبنان والمطالبات من رعاياها بمغادرته فوراً ، وأيضاً نقل بعض السفارات مقراتها الى خارج لبنان، إلا أن جميع المؤشرات تؤكد أنه ليس من مصلحة أحد وقوع حرب شاملة مكلفة للجميع، فمن المرجح وفق التطورات والمعطيات السياسية والأمنية أنه قد تكون هناك ضربة قوية للداخل اللبناني مع توسيع رقعة الحرب في الجنوب اللبناني في إطار صفقة ترسيم الحدود البرية تضمن عودة آمنة لسكان الشمال في فلسطين المحتلة وفق ما جاء في تصريح نتنياهو الأخير: “مصممون على إعادة الأمن إلى الشمال وإعادة السكان بأمان إلى منازلهم”.
يتضح بأن المرحلة الحالية حساسة للغاية، وستتركز على ضرورة تحقيق إي انتصار إسرائيلي في ظل فشله في المرحلتين الاولى والثانية عن تحقيق أهدافه المعلنة، لذا سيعمد في هذه المرحلة إلى تكثيف عمليات الاغتيال لقيادات المقاومة عبر إنتقاء المعلومات الاستخباراتية الأمنية الحساسة، بالتزامن مع الحراك الدبلوماسي لإنهاء الحرب وإتمام صفقة تبادل الأسرى في غزة وترسيم الحدود البرية مع لبنان .